الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
فأمره بالجواب بقوله: {قل} أي لا يستويان، لأن الحامل على الإخلاص العلم وعلى الإشراك الجهل وقلة العقل، ثم أنكر على من يشك في ذلك فقل له: {هل يستوي} أي في الرتبة {الذين يعلمون} أي فيعملون على مقتضى العلم، فأداهم علمهم إلى التوحيد والإخلاص في الدين {والذين لا يعلمون} فليست أعمالهم على مقتضى العلم إما لجهل وإما لإعراض عن مقتضى العلم فصاروا لا علم لهم لأنه لا انتفاع لهم به لأنهم لو تأملوا أدنى تأمل مع تجريد الأنفس من الهوى لرجعوا إليه من أنه لا يرضى أحد أصلًا لعبده أن يخالف أمره، وإلى أنه لا يطلق العلم إلا على العامل أرشد قول ابن هشام في السيرة {ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا} [آل عمران: 188] أن يقول الناس: علماء، وليسوا بأهل علم، لم يحملوهم على هدى ولا حق.ولما كان مدار السداد التذكر.وكان مدار التذكر الذي به الصلاح والفساد هو القلب لأنه مركز العقل الذي هو آلة العلم، وكان القلب الذي لا يحمل على الصلاح عدمًا، بل العدم خير منه، قال: {إنما يتذكر} أي تذكرًا عظيمًا بما أفهمه إظهار التاء فيعلم أن المحسن لا يرضى بالإحسان إلى من يأكل خيره ويعبد غيره {أولوا الألباب} أي العقول الصافية والقلوب النيرة وهم الموصوفون آخر آل عمران بقوله تعالى: {الذين يذكرون الله قيامًا وقعودًا وعلى جنوبهم} [آل عمران: 191] إلى آخرها، وما أحسن التعبير هنا باللب الذي هو خلاصة الشيء لأن السياق للإخلاص، قال الرازي في اللوامع: قال الإمام محمد بن علي الترمذي: خلق الله تعالى الأشياء مسخرة للآدمي، وخلق الآدمي للخدمة، ووضع فيه أنواره ليخرج الخدمة لله تعالى من باطنه بالحاجة، فالآدمي مندوب إلى العلم بالله تعالى وبأوامره حسب ما خلق له، والخدمة والقنوت بقلبك بين يديه ماثلًا منتصبًا محقًا مبادرًا مسارعًا سائقًا مركبك في جميع أمورك بالحب له، وعلم الخدمة علم البساطين: بساط القدرة وبساط العبودة فإذا طالعت بساط القدرة بعقل وافر وهو أن تعرف نفسك وتركيبك من روحاني وجسماني، وطالعت بساط العبودة بكياسة تامة أدركت تدبيره في العبودة وباطن أمره ونهيه وعلل التحريم والتحليل، وبسط الله بساط الربوبية من باب القدرة، وبسط بساط العبودة من باب العظمة، ثم كان آخر خلقه سبحانه هذا الإنسان الذي بسط له هذين البساطين، وجمع فيه العالمين، وزاد على ما فيهما من قبول الأمر اختيارًا وطوعًا، وكل شيء أعطاك إنما أعطاك لتبرزه إلى جوارحك، وتستعمله فيما خلق له، فلو لم يعطك منك لم يطلب منك، فلا تطلب الزكاة ممن لا مال له، ولا الصلاة قيامًا ممن لا رجل له.ولما ثبت أن القانت خير، وكان المخالف له كثيرًا، وكان أعظم حامل له على القنوت التقوى، وكانت كثرة المخالف أعظم مزلزل، وكان الإنسان- لما له من النقصان- أحوج شيء إلى التثبيت، وكان التثبيت من المجانس، والتأنيس من المشاكل أسكن للقلب وأشرح للصدر، أمر أكمل الخلق وأحسنهم ملاطفة بتثبيتهم فقال: {قل} ولما كان الثبات لا يرسخ مع كثرة المخالف، وتوالي الزلزال والمتالف، إلا إذ كان عن الملك، جعل ذلك عنه سبحانه ليجتمع عليه الخالق والأقرب إليه من الخلائق، فقال: {يا عباد} دون أن يقول: يا عباد الله، مثلًا تذكيرًا لهم تسكينًا لقلوبهم بما علم من أن التقدير.قال الله، وتشريفًا لهم بالإضافة إليه بالضمير الدال على اللطف وشدة الخصوصية، وإعلامًا لهم بأنه حاضر لا يغيب عنهم بوجه: {الذين آمنوا} أي أوجدوا هذه الحقيقة ولو على أدنى حالاتها.ولما كان الإحسان ربما جرًا على المحسن، أشار سبحانه إلى سداد قول العارفين: اجلس على البساط وإياك والانبساط ونبه بلفت القول عن مظهر التكلم إلى الوصف بما يدل على أن العاقل من أوجب له الإحسان إجلالًا وإكبارًا، وأثمر له العطف والتقريب ذلًا في نفسه وصغارًا، وخوفًا وانكسارًا، مما أقله قطع الإحسان فقال: {اتقوا ربكم} أي اجعلوا بينكم وبين غضب المحسن إليكم وقاية بأن تترقوا في درجات طاعته مخلصين له كما خلقكم لكم لا لغرض له ليرسخ إيمانكم ويقوي إحسانكم، وهذا أدل دليل على أن الإيمان يكون مع عدم التقوى.ولما أرشدهم بالاسم الناظر إلى الإحسان إلى أن يقولوا: فما لنا إن فعلنا؟ قال مجيبًا معللًا: {للذين أحسنوا} أي لكم، ولكنه أظهر الوصف الدال على سبب جزائهم تشويقًا إلى الازدياد منه، ولما كان العمل لا ينفع إلا في دار التكليف قال: {في هذه} باسم الإشارة زيادة في التعيين {الدنيا} أي الدنية الوضرة التي لا تطهر الحياة فيها إلا بالتقديس بعبادة الخالق والتخلق بأوصافه {حسنة} أي عظيمة في الدنيا بالنصر والمعونة مع كثرة المخالف وفي الآخرة بالثواب، ويجوز أن يكون معنى {أحسنوا} أوقعوا الإحسان، ومعلوم أنه في هذه الدنيا، فيكون ما بعده مبتدأ وخبرًا، لكنه يصير خاصًا بثواب الدنيا، فالأول حسن.ولما كان ربما عرض للإنسان في أرض من يمنعه الإحسان، ويحمله على العصيان، حث سبحانه على الهجرة إلى حيث يزول عنه ذلك المانع، تنبيهًا على أن مثل هذا ليس عذرًا في التقصير كما قيل:
فقال: {وأرض الله} أي الذي له الملك كله والعظمة الشاملة {واسعة} ووجوده بعلمه وقدرته في كل أرض على حد سواء، فالمتقيد بمكان منها ضعيف العزم واهن اليقين، فلا عذر للمفرط في الإحسان بعدم الهجرة.ولما كان الصبر على هجرة الوطن ولاسيما إن كان ثّم أهل وعشيرة شديدًا جدًّا، ذكر ما للصابر على ذلك لمن تشوف إلى السؤال عنه فقال: {إنما يوفى} أي التوفية العظمية {الصابرون} أي على ما تكرهه النفوس في مخالفة الهوى واتباع أوامر الملك الأعلى من الهجرة وغيرها {أجرهم بغير حساب} أي على وجه من الكثرة لا يمكن في العادة حسبانه، وذلك لأن الجزاء من جنس العمل، وكل عمل يمكن عده وحصره إلا الصبر فإنه دائم مع الأنفاس، وهو معنى من المعاني الباطنة لا يطلع خلق على مقداره في قوته وضعفه وشدته ولينه لأنه مع خفائه يتفاوت مقداره، وتتعاظم آثاره، بحسب الهمم في علوها وسفولها، وسموها ونزولها، ويجوز أن يكون المعنى أن من كمل صبره بما أشارت إليه لام الكمال- لم يكن عليه حساب، لما رواه البزار وابن حبان في صحيحه عن أبي هريرة رضى الله عنه قال: جاءت امرأة بها لمم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، ادع الله لي، قال: «إن شئت دعوت الله فشفاك، وإن شئت صبرت ولا حساب عليك»، قالت: بل أصبر ولا حساب علي. اهـ. .من أقوال المفسرين: .قال الفخر: {وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ} اعلم أن الله تعالى لما بين فساد القول بالشرك وبين أن الله تعالى هو الذي يجب أن يعبد، بين في هذه الآية أن طريقة هؤلاء الكفار الذين يعبدون الأصنام متناقضة وذلك لأنهم إذا مسهم نوع من أنواع الضر لم يرجعوا في طلب دفعه إلا إلى الله، وإذا زال ذلك الضر عنهم رجعوا إلى عبادة الأصنام ومعلوم أنهم إنما رجعوا إلى الله تعالى عند حصول الضر، لأنه هو القادر على إيصال الخير ودفع الضر، وإذا عرفوا أن الأمر كذلك في بعض الأحوال كان الواجب عليهم أن يعترفوا به في كل الأحوال فثبت أن طريقتهم في هذا الباب متناقضة.أما قوله تعالى: {وَإِذَا مَسَّ الإنسان} فقيل المراد بالإنسان أقوام معينون مثل عتبة بن ربيعة وغيره، وقيل المراد به الكافر الذي تقدم ذكره، لأن الكلام يخرج على معهود، تقدم.وأما قوله: {ضُرٌّ} فيدخل فيه جميع المكاره سواه كان في جسمه أو في ماله أو أهله وولده، لأن اللفظ مطلق فلا معنى للتقييد {ودعاَ رَبَّهُ} أي استجار بربه وناداه ولم يؤمل في كشف الضر سواء، فلذلك قال: {مُنِيبًا إِلَيْهِ} أي راجعًا إليه وحده في إزالة ذلك الضر لأن الإنابة هي الرجوع {ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مّنْهُ} أي أعطاه، قال صاحب الكشاف: وفي حقيقته وجهان أحدهما: جعله خائل مال من قولهم هو خائل مال وخال مال، إذا كان متعهدًا له حسن القيام به ومنه ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه كان يتخول أصحابه بالموعظة والثاني: جعله يخول من خال يخول إذا اختال وافتخر، وفي المعنى قالت العرب:إن الغنى طويل الذيل مياس.. ثم قال تعالى: {نَسِىَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِن قَبْلُ} أي نسي ربه الذي كان يتضرع إليه ويبتهل إليه، وما بمعنى من كقوله تعالى: {وَمَا خَلَقَ الذكر والأنثى} [الليل: 3] وقوله تعالى: {وَلاَ أَنتُمْ عابدون مَا أَعْبُدُ} [الكافرون: 3] وقوله تعالى: {فانكحوا مَا طَابَ لَكُمْ مّنَ النساء} [النساء: 3] وقيل نسي الضر الذي كان يدعو الله إلى كشفه والمراد من قوله نسي أن ترك دعاءه كأنه لم يفزع إلى ربه، ولو أراد به النسيان الحقيقي لما ذمه عليه، ويحتمل أن يكون المراد أنه نسي أن لا يفزع، وأن لا إله سواه فعاد إلى اتخاذ الشركاء مع الله.ثم قال تعالى: {وَجَعَلَ لِلَّهِ أَندَادًا لّيُضِلَّ عَن سَبِيلِهِ} وفيه مسائل:المسألة الأولى:قرأ ابن كثير وأبو عمرو {ليضل} بفتح الياء والباقون {ليضل} بضم الياء على معنى ليضل غيره.المسألة الثانية:المراد أنه تعالى يعجب العقلاء من مناقضتهم عند هاتين الحالتين، فعند الضر يعتقدون أنه لا مفزع إلى ما سواه وعند النعمة يعودون إلى اتخاذ آلهة معه.ومعلوم أنه تعالى إذا كان إنما يفزع إليه في حال الضر لأجل أنه هو القادر على الخير والشر، وهذا المعنى باق في حال الراحة والفراغ كان في تقرير حالهم في هذين الوقتين بما يوجب المناقضة وقلة العقل.المسألة الثالثة:معنى قوله: {لّيُضِلَّ عَن سَبِيلِهِ} أنه لا يقتصر في ذلك على أن يضل نفسه بل يدعو غيره إما بفعله أو قوله إلى أن يشاركه في ذلك، فيزداد إثمًا على إثمه، واللام في قوله: {لِيُضِلَّ} لام العاقبة كقوله: {فالتقطه ءالُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا} [القصص: 8] ولما ذكر الله تعالى عنهم هذا الفعل المتناقض هددهم فقال: {قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا} وليس المراد منه الأمر بل الزجر، وأن يعرفه قلة تمتعه في الدنيا، ثم يكون مصيره إلى النار.ولما شرح الله تعالى صفات المشركين والضالين، ثم تمسكهم بغير الله تعالى أردفه بشرح أحوال المحقين الذين لا رجوع لهم إلا الله ولا اعتماد لهم إلا على فضل الله، فقال: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ ءانَاء الليل ساجدا وَقَائِمًا} وفيه مسائل:المسألة الأولى:قرأ نافع وابن كثير وحمزة {آمن} مخففة الميم والباقون بالتشديد، أما التخفيف ففيه وجهان الأول: أن الألف ألف الاستفهام داخلة على من، والجواب محذوف على تقدير كمن ليس كذلك، وقيل كالذي جعل لله أندادًا فاكتفى بما سبق ذكره والثاني: أن يكون ألف نداء كأنه قيل يا من هو قانت من أهل الجنة، وأما التشديد فقال الفراء الأصل أم من فأدغمت الميم في الميم وعلى هذا القول هي أم التي في قولك أزيد أفضل أم عمرو.المسألة الثانية:القانت القائم بما يجب عليه من الطاعة، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: «أفضل الصلاة صلاة القنوت» وهو القيام فيها.ومنه القنوت في الصبح لأنه يدعو قائمًا.عن ابن عمر رضي الله عنه أنه قال لا أعلم القنوت إلا قراءة القرآن وطول القيام وتلا {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ} وعن ابن عباس القنوت طاعة الله، لقوله: {كُلٌّ لَّهُ قانتون} [البقرة: 116] أي مطيعون، وعن قتادة {آناء الليل} ساعات الليل أوله ووسطه وآخره، وفي هذه اللفظة تنبيه على فضل قيام الليل وأنه أرجح من قيام النهار، ويؤكده وجوه الأول: أن عبادة الليل أستر عن العيون فتكون أبعد عن الرياء الثاني: أن الظلمة تمنع من الإبصار ونوم الخلق يمنع من السماع، فإذا صار القلب فارغًا عن الاشتغال بالأحوال الخارجية عاد إلى المطلوب الأصلي، وهو معرفة الله وخدمته الثالث: أن الليل وقت النوم فتركه يكون أشق فيكون الثواب أكثر الرابع: قوله تعالى: {إِنَّ نَاشِئَةَ الليل هي أَشَدُّ وَطًْا وَأَقْوَمُ قِيلًا} [المزمل: 6] وقوله: {ساجدا} حال، وقرئ {ساجد} و{قائم} على أنه خبر بعد خبر الواو للجميع بين الصفتين.واعلم أن هذه الآية دالة على أسرار عجيبة، فأولها أنه بدأ فيها بذكر العلم وختم فيها بذكر العلم، أما العمل فكونه قانتًا ساجدًّا قائمًا، وأما العلم فقوله: {هَلْ يَسْتَوِى الذين يَعْلَمُونَ والذين لاَ يَعْلَمُونَ} وهذا يدل على أن كمال الإنسان محصور في هذين المقصودين، فالعمل هو البداية والعلم والمكاشفة هو النهاية.الفائدة الثانية: أنه تعالى نبه على أن الانتفاع بالعمل إنما يحصل إذا كان الإنسان مواظبًا عليه، فإن القنوت عبارة عن كون الرجل قائمًا بما يجب عليه من الطاعات، وذلك يدل على أن العلم إنما يفيد إذا واظب عليه الإنسان، وقوله: {ساجدا وَقَائِمًا} إشارة إلى أصناف الأعمال وقوله: {يَحْذَرُ الآخرة وَيَرْجُو رَّحْمَةِ رَبّهِ} إشارة إلى أن الإنسان عند المواظبة ينكشف له في الأول مقام القهر وهو قوله: {يَحْذَرُ الأخرة} ثم بعده مقام الرحمة وهو قوله: {وَيَرْجُو رَّحْمَةِ رَبّهِ} ثم يحصل أنواع المكاشفات وهو المراد بقوله: {هَلْ يَسْتَوِى الذين يَعْلَمُونَ والذين لاَ يَعْلَمُونَ}.الفائدة الثالثة: أنه قال في مقام الخوف {يَحْذَرُ الأخرة} فما أضاف الحذر إلى نفسه، وفي مقام الرجاء أضافه إلى نفسه، وهذا يدل على أن جانب الرجاء أكمل وأليق بحضرة الله تعالى.المسألة الثالثة:قيل المراد من قوله: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ ءانَاء الليل} عثمان لأنه كان يحيي الليل في ركعة واحدة ويقرأ القرآن في ركعة واحدة، والصحيح أن المراد منه كل من كان موصوفًا بهذه الصفة فيدخل فيه عثمان وغيره لأن الآية غير مقتصرة عليه.المسألة الرابعة:لا شبهة في أن في الكلام حذفًا، والتقدير أمن هو قانت كغيره، وإما حسن هذا الحذف لدلالة الكلام عليه، لأنه تعالى ذكر قبل هذه الآية الكافر وذكر بعدها: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِى الذين يَعْلَمُونَ والذين لاَ يَعْلَمُونَ} وتقدير الآية قل هل يستوي الذين يعلمون وهم الذين صفتهم أنهم يقنتون آناء الليل سجدًّا وقيامًا، والذين لا يعلمون وهم الذين وصفهم عند البلاء والخوف يوحدون وعند الراحة والفراغة يشركون، فإذا قدرنا هذا التقدير ظهر المراد وإنما وصف الله الكفار بأنهم لا يعلمون، لأنهم وإن آتاهم الله العلم إلا أنهم أعرضوا عن تحصيل العلم، فلهذا السبب جعلهم كأنهم ليسوا أولي الألباب من حيث إنهم لم ينتفعوا بعقولهم وقلوبهم.وأما قوله تعالى: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِى الذين يَعْلَمُونَ والذين لاَ يَعْلَمُونَ} فهو تنبيه عظيم على فضيلة العلم، وقد بالغنا في تقرير هذا المعنى في تفسير قوله تعالى: {وَعَلَّمَ ءادَمَ الأسماء كُلَّهَا} [البقرة: 31] قال صاحب الكشاف أراد بالذين يعلمون الذين سبق ذكرهم وهم القانتون، وبالذين لا يعلمون الذين لا يأتون بهذا العمل كأنه جعل القانتين هم العلماء، وهو تنبيه على أن من يعمل فهو غير عالم، ثم قال وفيه ازدراء عظيم بالذين يقتنون العلوم ثم لا يقنتون، ويفتنون فيها ثم يفتنون بالدنيا فهم عند الله جهلة.
|